سورة الأنبياء - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{اقترب} دنا {لِلنَّاسِ} اللام صلة لاقتراب. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالناس المشركون لأن ما يتلوه من صفات المشركين {حِسَابَهُمْ} وقت محاسبة الله إياهم ومجازاته على أعمالهم يعني يوم القيامة، وإنما وصفه بالاقتراب لقلة ما بقي بالإضافة إلى ما مضى ولأن كل آتٍ قريب {وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ} عن حسابهم وعما يفعل بهم ثم {مُّعْرِضُونَ} عن التأهب لذلك اليوم فالاقتراب عام والغفلة والإعراض يتفاوتان بتفاوت المكلفين، فرب غافل عن حسابه لاستغراقه في دنياه وإعراضه عن مولاه، ورب غافل عن حسابه لاستهلاكه في مولاه وإعراضه عن دنياه فهو لا يفيق إلا برؤية المولى، والأول إنما يفيق في عسكر الموتى فالواجب عليك أن تحاسب نفسك قبل أن تحاسب وتتنبه للعرض قبل أن تنبه، وتعرض عن الغافلين وتشتغل بذكر خالق الخلق أجمعين لتفوز بلقاء رب العالمين {مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ} شيء من القرآن {مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ} في التنزيل إتيانه، مبتدأة تلاوته، قريب عهده باستماعهم، والمراد به الحروف المنظومة. ولا خلاف في حدوثها {إِلاَّ استمعوه} من النبي عليه السلام أو غيره ممن يتلوه {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يستهزئون به.


{لاَهِيَةً} حال من ضمير يلعبون أو {وهم يلعبون} و{لاهية} حالان من الضمير في استمعوه. ومن قرأ {لاَهِيَةً} بالرفع يكون خبراً بعد خبر لقوله: {وهم} وارتفعت {قُلُوبِهِمْ} ب {لاهية} وهي من لها عنه إذا ذهل وغفل، والمعنى قلوبهم غافلة عما يراد بها، ومنها قال أبو بكر الوارق: القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها الغافل عن الآخرة وأهوالها {وَأَسَرُّواْ} وبالغوا في إخفاء {النجوى} وهي اسم من التناجي. ثم أبدل {الذين ظَلَمُواْ} من واو {وأسروا} إيذاناً بأنهم الموسومون بالظلم فيما أسروا به، أو جاء على لغة من قال (أكلوني البراغيث)، أو هو مجرور المحل لكونه صفة أو بدلاً من الناس، أو هو منصوب المحل على الذم، أو هو مبتدأ خبره {أسروا النجوى} فقدم عليه أي والذين ظلموا أسروا النجوى {هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} هذا الكلام كله في محل النصب بدل من النجوى أي وأسروا هذا الحديث ويجوز أن يتعلق ب (قالوا) مضمراً والمعنى أنهم اعتقدوا أن الرسول لا يكون إلا ملكاً وأن كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر، فلذلك قالوا على سبيل الإنكار: أفتحضرون السحر وأنتم تشاهدون وتعاينون أنه سحر {قَالَ رَبّى} حمزة وعلي وحفص أي قال محمد وغيرهم {قل ربي} أي قل يا محمد للذين أسروا النجوى {يَعْلَمُ القول فِى السماء والأرض} أي يعلم قول كل قائل هو في السماء أو الأرض سراً كان أو جهراً {وَهُوَ السميع} لأقوالهم {العليم} بما في ضمائرهم.
{بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام رآها في نومه فتوهمها وحياً من الله إليه، ثم إلى أنه كلام مفترى من عنده، ثم إلى أنه قول شاعر وهكذا الباطل لجلج والمبطل رجاع غير ثابت على قول واحد، ثم قالوا إن كان صادقاً في دعواه وليس الأمر كما يظن {فليأتنا بآية} بمعجزة {كَمَا أُرْسِلَ الأولون} كما أرسل من قبله باليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى، وصحة التشبيه في قوله كما {أرسل الأولون} من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات، ألا ترى أنه لا فرق بين قولك (أرسل محمد) وبين قولك (أتى بالمعجزة) فرد الله عليهم قولهم بقوله.


{مَا ءامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ} من أهل قرية {أهلكناها} صفة ل {قرية} عند مجيء الآيات المقترحة لأنهم طلبوها تعنتاً {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} أي أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أفيؤمن هؤلاء المقترحون لو أتيناهم بما اقترحوا مع أنهم أعني منهم، والمعنى أن أهل القرى اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فأهلكهم الله فلو أعطينا هؤلاء ما يقترحون لنكثوا أيضاً.
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً} هذا جواب قولهم هل هذا إلا بشر مثلكم {نُّوحِى إِلَيْهِمْ} {نُوحِى} حفص {فاسألوا أَهْلَ الذكر} العلماء بالكتابين فإنهم يعرفون أن الرسل الموحى إليهم كانوا بشراً ولم يكونوا ملائكة وكان أهل مكة يعتمدون على قولهم {إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك. ثم بين أنه كمن تقدمه من الأنبياء بقوله {وَمَا جعلناهم جَسَداً} وحد الجسد لإرادة الجنس {لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام} صفة ل {جسداً} يعني وما جعلنا الأنبياء قبله ذوي جسد غير طاعمين {وَمَا كَانُواْ خالدين} كأنهم قالوا هلا كان ملكاً لا يطعم ويخلد، إما معتقدين أن الملائكة لا يموتون أو مسمين بقاءهم الممتد وحياتهم المتطاولة خلودا {ثُمَّ صدقناهم الوعد} بإنجائهم والأصل في الوعد مثل {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أي من قومه {فأنجيناهم} مما حل بقومهم {وَمَن نَّشَاء} هم المؤمنون {وَأَهْلَكْنَا المسرفين} المجاوزين الحد بالكفر ودل الإخبار بإهلاك المسرفين على أن من نشاء غيرهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8